السبت، 19 يناير 2013

الحلقة الثانية في سلسلة "مصر، القرن العظيم"...




الحلقة الثانية: وصول محمد علي باشا لحكم مصر

-توقفنا في الحلقة السابقة عند تعيين أحمد خورشيد باشا حاكم الاسكندرية واليا على مصر في 1804.
- مع تولي خورشيد باشا أراد أن تستتب له الأمور في مصر وبنفرد بحكمها حتى يظهر للسلطان قدراته، فأيقن انه لن تستقر الأمور إلا بالخلاص من محمد علي قائد الفرقة الألبانية خاصة انه هو من ولاه ولاية مصر كما انه محبوب بشدة من الشعب المصري ومن زعماء الشعب.
- طلب خورشيد باشا من السلطان العثماني ان يسحب الفرقة الالبانية من مصر، وبالفعل اصدر السلطان اوامره لكن زعماء الشعب عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ السادات رفضوا سحب الفرقة الألبانية وأرسلوا للسلطان يخطروه بأنهم طلبوا من محمد علي أن يرفض ترك مصر، ثم طلب خورشيد باشا من محمد علي ان يذهب للصعيد لمحاربة المماليك، كما طلب من السلطان أن يرسل له أشرس فرقة في الجيش العثماني وهي فرقة تسمى الدلاة أو الدلاتية لتدعيم موقفه في مصر، فأرسلها له السلطان.
- وصلت فرقة الدلاة لمصر وقامت باعمال سلب ونهب للأهالي بشكل غير مسبوق لم يفعله معهم حتى المماليك، لدرجة انهم اخرجوهم عنوة من مساكنهم ولم يسمحوا لهم حتى باخذ ثيابهم او متعلقاتهم بل ان بعضهم رفضوا حتى ان ياخذوا معهم نسائهم وقام الدلاة بسبيهم. فذهب الأهالي والشيوخ لخورشيد باشا يشتكون له ظلم فرقة الدلاة فلم يفعل شيئا وقال لهم ان هولاء الجنود عصاة ولم يمتثلوا لأوامره، وزادت المشاكل وزادت أعمال السلب والنهب، فثار الشعب ثورة عارمة على خورشيد باشا وحاصروه في مقره بالقلعة.
- وفي هذه الأثناء، وبإيعاز من خورشيد باشا، في اول مايو 1805 وصل فرمان من السلطان العثماني بتعيين محمد علي باشا واليا على مدينة جده بالحجاز، واظهر محمد علي إمتثاله للفرمان السلطاني، وابدى استعداده للسفر إلى جده، إلا أنه حرض جنوده بالتمرد لانهم لم يستلموا رواتبهم المتأخرة فذهب جنود الفرقة الألبانية إلى القلعة ليطالبوا برواتبهم المتاخرة وانضموا للأهالي في حصارهم للقلعة. وذهب محمد علي إلى بيته بالأزبكية واعلن انه لن يترك مصر في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها.
- أعتصم زعماء الشعب في دار الحكمة (مقر القضاء) وقالوا أن شرع الله بيننا وبين الباشا الظالم، واصروا على ان يقوم القاضي بتوجيه الاتهام لخورشيد باشا للتسيب الأمني ومسئوليته عن السلب والنهب الذي يفعله جنوده بالإضافه إلى اتهامهم له بسرقة مال الميري المعجل (الاستيلاء على المال العام). وأظهر خورشيد باشا الإمتثال وطلب منهم الحضور للقلعة للتشاور معهم، إلا انهم علموا انها مكيدة وان خورشيد باشا قد امر جنود الدلاة بقتلهم وهم في الطريق من دار الحكمة إلى القلعة، فرفضوا الذهاب إلى القلعة ، وتوجهوا جميعهم بمظاهرات حاشدة بزعامة عمر مكرم نقيب الأشراف والشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر إلى منزل محمد علي باشا بالأزبكية، وقابلوه وقالوا له " لانريد خورشيد باشا واليا علينا ولابد من عزله ولن نرضى إلا بك واليا علينا بشروطنا" فرفض محمد علي الولاية في اول الأمر ثم رضخ وقبل امام ضغط الشعب. وكان ذلك في 13 مايو 1805، والبسه الشيخ الشرقاوي والسيد عمر مكرم قفطان الولاية.
- وارسل الزعماء من يخطر خورشيد باشا بعزله وتوليه محمد علي باشا، فرفض خورشيد وقال لهم " لقد ولاني السلطان فلا أعزل بامر من الفلاحين ولن انزل عن القلعة إلا بأمر من السلطان"، فشدد الاهالي والجنود الألبان حصارهم للقلعة ، وأرسل زعماء الشعب للسلطان يقولون له بانهم لن يرضوا بواليا سوى محمد علي باشا.
- وبالفعل أستجاب السلطان العثماني سليم الثالث على مضض لرغبة المصريين وأصدر فرمانا سلطانيا في 9 يوليو 1805 بتولي محمد علي باشا ولاية مصر، وصعد إلى القلعة.
- وبذلك يكون الشعب المصري للمرة الاولى في التاريخ قد اختار من يحكمه بل وأجبر السلطان على عزل واليه والإذعان لمطالبه. ونظن أن الشعب المصري قد أحسن الأختيار.
- ولكن من هو محمد علي باشا : اسمه " محمد علي إبراهيم أغا" ولد في مدينة قوله بمقاطعة مقدونيا باليونان عام 1769، من عائلة تركية عثمانية، والده هو إبراهيم أغا قائد حرس مدينة قوله وكان تاجر تبغ أيضا، وانجب والده 17 ولدا غيره ولكن ماتوا كلهم ولم يعش له سوى محمد علي ، توفي والده وهو عمره 4 سنوات ثم ماتت امه أيضا وتيتم ، فأخذه عمه طوسون ليربيه ولكنه سرعان ما مات أيضا، فكفله حاكم قوله وهو "الشوربجي باشا إسماعيل" الذي كان صديقا لوالده. وعندما شب محمد علي ألحقه الشوربجي باشا بسلك الجندية فاظهر نبوغا كبيرا، ثم عندما قرر السلطان العثماني إرسال جيوش لمصر لمحاربة الفرنسيين تم اختيار محمد علي ضمن قادة الفرقة الألبانية الذاهبة إلى مصر ضمن الجيش العثماني، وكانت الفرقة بقيادة علي اغا إبن الشوربجي باشا الذي كفل محمد علي، وفور وصول الفرقة لأبي قير في 1801، هزمت من الفرنسيين وقرر علي أغا ترك الفرقة والعودة فورا لقوله، فأصبح طاهر باشا قائدا للفرقة الألبانية ومحمد علي نائبا له.وكان لدى محمد علي حلم كبير وهو ان يخلد التاريخ ذكراه وكان مثله الاعلى هو الأسكندر الاكبر، وعندما اتى إلى مصر تيقن أن تحقيق حلمه لن يكون إلا من بلد عظيم مثل مصر. وتولى حكم مصر من 1805 حتى 1848 واستطاع خلالها نقل مصر نقله كبيرة من دولة جاهلة فقيرة بلا مدارس ولا تعليم سوى الأزهر والكتاتيب إلى دولة مزدهرة عظمى تحسب لها الدول الكبرى كانجلترا وفرنسا وروسيا والنمسا والدولة العثمانية الف حساب واسس جيش قوى واسطول قوي وطور الزراعة تطويرا كبيرا وادخل الصناعة، وتفوق حتى على الدولة العثمانية نفسها ، وعلى روسيا، فكان بالفعل افضل من تولى حكم مصر على الاطلاق في تاريخها بعد العصر الفرعوني. وسنرى في الحلقات القادمة تفصيلا كيف استطاع تحقيق ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق